فصل: تفسير الآيات (17- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (9- 16):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
{إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب {وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} وهو الجنة {وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وهي النار {وَيَدْعُ الإنسان} حذفت الواو هنا في اللفظ والخط ولم يحذف في المعنى لأنها في موضع رفع وكان حذفها باستقالتها اللام الساكنة كقوله: {سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 18] {وَيَمْحُ الله الباطل} [الشورى: 24]، و{يُؤْتِ الله المؤمنين} [النساء: 146] وينادي المنادي {فَمَا تُغْنِ النذر} [القمر: 5] ومعنى الآية ويدع الانسان على ماله وولده ونفسه بالسوء وقوله عند الضجر والغضب: اللهم العنه اللهم أهلكه {دُعَآءَهُ بالخير} أي كدعائه ربه أن يهب له العافية والنعمة ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده بالشر لهلك ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك، نظيره قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} عجلاً بالدعاء على مايكره أن يستجاب له فيه.
قال مجاهد وجماعة من المفسرين، وقال ابن عبّاس: يريد ضجراً لا صبراً له على سراء ولا ضرّاء.
وقال قوم من المفسرين: أراد الانسان آدم.
قال سلمان الفارسي: أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق جسده فلما كان عند العصر بقيت رجلاه لو يبث فيها الروح، فقال: يارب عجّل قبل الليل فذلك قوله: {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً}.
وروى الضحاك عن ابن عبّاس قال: لما خلق الله رأس آدم نظر إلى جسده فأعجبه، فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} وقيل: المراد آدم فإنه لما اهتدى للصح إلى سترته ذهب لينهض فسقط، يروى أنه علم وقع أسيراً إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت من كتافه فهرب فدعا النبي عليها بقطع اليد ثم ندم فقال: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت هذه الآية.
{وَجَعَلْنَا اليل والنهار آيَتَيْنِ} دلالتين وعلامتين على وحدانيتنا ووجودنا وكمال علمنا وقدرتنا وعدد السنين والحساب {فَمَحَوْنَآ آيَةَ اليل} قال أبو الطفيل: سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه فقال: ما هذا السواد في القمر؟ فقال علي: {فَمَحَوْنَآ آيَةَ اليل وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً} وهو المحو.
وقال ابن عباس: الله نور الشمس سبعين جزءاً ونور القمر سبعين جزءاً فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءاً فجعله مع نور الشمس فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءاً والقمر على جزء واحد.
{وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار} وهي الشمس {مُبْصِرَةً} منيرة مضيئة.
وقال أبو عمرو بن العلا: يعني بصرها.
قال الكسائي: هو من قول العرب أبصر النهار إذا أضاء وصار بحالة يبصرها.
وقال بعضهم: هو كقولهم: رجل خبيث مخبث إذا كان أصحابه خبثاء ورجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافاً فكذلك النهار مبصراً إذا كان أهله بصراء.
{لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} إلى قوله: {فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} بينّاه تبييناً.
مقاتل بن علي عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمساً من نور عرشه وقمراً فكانا جميعاً شمسان فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمساً فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها فيحولها قمراً فخلقها دون الشمس من العظيم ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا كان يدرك الأجير إلى متى يعمل ومتى يأخذ أجره ولايدري الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر، ولا تدري المرأة كيف تعتد ولا يدري المسلمون متّى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم، ولا يدري الديان متّى يحل دينهم ولا تدري الناس متى يبذرون ويزرعون لمعاشهم ومتى يسكنون لراحة أبدانهم فكان الرب سبحانه أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبرائيل فأمّر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور، فذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اليل والنهار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ اليل وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً} والسواد الذي ترونه في جوف القمر يشبه الخطوط، فهو أثر المحو».
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال ابن عباس: وما قدر عليه من خير وشر فهو ملازمه أينما كان.
الكلبي ومقاتل: خيره وشره معه لايفارقه حتّى يحاسب به وتلا الحسن: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ثمّ قال يا بن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذين عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً.
مجاهد: عمله ورزقه، وعنه: ما من مولود يولد إلاّ وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد.
وقال أهل المعاني: أراد بالطائر ما قضى عليه أنه عامله في ماهو صائر إليه من سعادة أو شقاوة، وإنّما عبر عنه بالطائر على عادة العرب كما كانت تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها.
أبو عبيد والعيني: أراد بالطائر حظه من الخير والشر عن قولهم طار منهم فلان بكذا أيّ جرى له الطائر بكذا.
وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء: طائره في عنقه بغير ألف وإنّما خص عنقه دون سائر أعضائه، لأن العنق موضع السمات وموضع القلائد والأطراف وغير ذلك مما يشين أو يزين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة إلى الأعناق فيقولون هذا في عنقي حتّى أخرج منه وهذا الشيء لازم صليت عنقه.
{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً} قرأ الحسن ومجاهد وابن محيصن ويعقوب: ويخرج بفتح الياء وضم الراء على معنى ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً نصب كتاباً على الحال، ويحتمل أن يكون معناه ويخرج له الطائر فيصير كتاباً.
وقرأ أبو جعفر: ويخرج بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل ومجازه ويخرج له الطائر كتاباً.
وقرأ يحيى بن وثاب: ويخرج أيّ ويخرج الله.
وقرأ الباقون: بنون مضمومة وكسر الراء على معنى ونحن نخرج له يوم القيامة كتاباً ونصب كتاباً بإيقاع الاخراج عليه واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله الزمناه.
{يَلْقَاهُ} قرأ أبو عامر وأبو جعفر: تلقاه بضم التاء وتشديد القاف يعني تلقى الانسان ذلك الكتاب أي يؤتا. وقرأ الباقون: بفتح الياء أي يراه.
{مَنْشُوراً} نصب على الحال.
عن بسطام بن مسلم قال: سمعت أبا النباج يقول سمعت أبا السوار العدوي يقرأ هذه الآية ثمّ قال: نشرتان وعليه ماحييت يابن آدم فصحيفتك منشورة فاعمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت ثمّ إذا بعثت نشرت.
{اقرأ كتابك} يعني فيقال له إقرأ كتابك {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} محاسباً مجازياً.
قتادة: سيقرأ يومئذ كل من لم يكن في الدنيا مُجَازياً.
وقال الحسن: قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
{مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ} لها نوليه {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لأن عليها عقابه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} ولا يحمل حامله عمل أخر من الأثام {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} إقامة للحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}.
قرأ عثمان النهدي وأبو رجاء العطاردي وأبو العالية وأبو جعفر ومجاهد: أمّرنا بتشديد الميم أيّ خلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم.
وقرأ الحسن وقتادة وأبو حياة الشامي ويعقوب: أمرنا ممدودة أي أكثرنا.
وقرأ الباقون: بكسر الميم، أي أمرناهم بالطاعة فعصوا، ويحتمل أن يكون بمعنى جعلناهم أمراً لأن العرب تقول أمر غير مأمور أي غير مؤمر، ويجوز أن يكون بمعنى أكثر مايدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة» أراد بالمأمورة كثرة النسل ويقال للشيء الكثير: أمر، والفعل منه أمر يأمرون أمراً إذا كثروا.
وقال لبيد:
كل بني حرة مصيرهم ** قل وإن أكثرت من العدد

إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ** يوماً يصيروا للهلك والنفذ

وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم وقرأه العامّة.
وقال أبو عبيد: إنما إخترنا هذه القراءة، لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها يعني الأمر والأمارة والكثرة، {مُتْرَفِيهَا} [...] وهم أغنياؤها ورؤساءها {فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول} يوجب عليها العذاب {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} فجزيناهم وأهلكناهم إهلاكاً بأمر فيه أُعجوبة.
روى معمر عن الزهري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على زينب وهو يقول: «لا إله إلاّ الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» قالت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون، قال: «نعم إذا كثر الخبث».

.تفسير الآيات (17- 25):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ} تخوف كفار مكة {وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} وقد اختلفوا في مبلغ مدة القرن:
قال عبد الله بن أُبي: وفي القرن عشرون ومائة سنة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن كان وآخرهم يزيد بن معاوية.
وروى محمّد بن القاسم عن عبد الله بن بشير المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: «سيعيش هذا الغلام قرناً» فقلت: كم القرن؟ قال: «مائة سنة».
قال محمّد بن القاسم: مازلنا نعدّ له حتّى تمت مائة سنة ثمّ مات.
وقال الكلبي: القرن ثمانون سنة.
وروى عمر بن شاكر عن ابن سيرين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرن أربعون سنة».
{مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة} يعني الدنيا فعبرنا بحرف عن الاسم، أراد بالدار العاجلة {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ} من البسط والتقدير {لِمَن نُّرِيدُ} أن يفعل به ذلك أوّل إهلاكه، {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} في الآخرة {يَصْلاهَا} يدخلها {مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} مطروداً مبعداً {وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا} وعمل لها عملها {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} مقبولاً غير مكفور {كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء} أيّ نمد كل الفريقين، من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة فيرزقهما جميعاً {مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ} ثمّ يختلف بهما الحال في المال {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} ممنوعاً محبوساً عن عباده {انظر} يا محمّد {كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} في الرزق والعمل، يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ} الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره {فَتَقْعُدَ} فتبقى {مَذْمُوماً مَّخْذُولاً * وقضى} أمر {رَبُّكَ}.
قال ابن عبّاس وقتادة والحسن قال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن وقال إنه طلق امرأته ثلاثاً، فقال: إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك. فقال الرجل: قضى الله ذلك عليَّ.
قال الحسن وكان فصيحاً: ما قضى الله، أي ما أمر الله وقرأ هذه الآية {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} فقال الناس: تكلم الحسن في القدر.
وقال مجاهد وابن زيد: وأوصى ربك، ودليل هذا التأويل قراءة علي وعبد الله وأُبيّ: ووصى ربك.
وروى أبو إسحاق الكوفي عن شريك بن مزاحم أنه قرأ: ووصى ربك وقال: إنهم أدغوا الواو بالصاد فصارت قافاً.
وقال الربيع بن أنس: وأوجب ربك إلاّ تعبدو إلاّ إياه.
{وبالوالدين إِحْسَاناً} أي وأمر بالأبوين إحساناً بّراً بهما وعطفاً عليهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر} الكسائي بالالف، وقرأ الباقون: يبلغن بغير الألف على الواحدة وعلى هذه القراءة قوله: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} كلام مستأنف كقوله: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} [المائدة: 71] وقوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى} [طه: 62] ثمّ ابتدأ فقال: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} فيه ثلاث لغات بفتح الفاء حيث قد رفع وهي قراءة أهل مكة والشام واختيار يعقوب وسهيل.
و {أُفّ} بالكسر والتنوين وهي قراءة أهل المدينة وأيوب وحفص.
و {أُفّ} مكسور غير منون وهي قراءة الباقين من القراء، وكلها لغات معروفة معناها واحد.
قال ابن عبّاس: هي كلمة كراهة. مقاتل: الكلام الرديء الغليظ.
أبو عبيد: أصل الأف والتف الوسخ على الأصابع إذا فتلته وفرق الآخرون بينهما فقيل الأف ما يكون في المغابن من العرق والوسخ، والتف ما يكون في الأصابع، وقيل: الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأظفار وقيل: الأف وسخ الظفر والتف ما رفعت يدك من الأرض من شيء حقير.
{وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} لاتزجرهما {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} حسناً جميلاً.
وقال ابن المسيب: كقول العبد المذنب للسيد الفظ.
وقال عطاء: لا تسمهما ولا تكنّهما وقل لهما: يا أبتاه ويا أماه.
مجاهد في هذه الآية: إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويُحدثان فلا تتعذرهما.
ولا تقل لهما أف حين ترى الأذى وتميط عنهما الخراء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً ولا توذهما وروى سعيد بن المسيب: أن العاق يموت ميتة سوء، وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن أبوي بلغا من الكبر أني أُوليهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما؟ قال صلى الله عليه وآله: «لا فإنهما كانا يفعلان لك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل وأنت تريد موتهما».
{واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة}.
قال عروة بن الزبير: إن لهما حتّى لا يمتنع من شيء أحياه.
مقاتل: أَلِنْ لهما جانبك فاخضع لهما.
وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعاصم الحجدي: جناح الذل بكسر الذال أي لا تستصعب معهما.
{وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.
قال ابن عبّاس: هو منسوخ بقوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى} [التوبة: 113] الآية.
روى شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضى الله تعالى مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين».
عطاء عن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال للعاق إعمل ماشئت إني لا أغفر لك ويقال للبار إعمل ماشئت وإني أغفر لك».
روى عطاء عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمس وأصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة، وإن أمسى وأصبح مسخطاً لوالديه أصبح وله بابان إلى النار وان واحداً فواحد».
فقال رجل: يارسول الله وإن ظلماه؟ قال: «وإن ظلماه»، ثلاث مرات.
وروى رشيد بن سعد عن أبي هاني الخولاني عن أبي عمر القصبي قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله دلني على عمل أعمله يقربني إلى الله؟ قال: «هل لك والدة ووالد؟» قال: نعم. قال: «فإنما يكفي مع البر بالوالدين العمل اليسير».
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} من بر الوالدين وعقوقهما {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} أبراراً مطيعين فيما أمركم الله به بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين، وغير ذلك من فرائض الله {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} بعد المعصية والهفوة {غَفُوراً}.
وقال سعيد بن جبير في هذه الآية: هو الرجل يكون منه المبادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلاّ الخير، فإنه لا يؤخذ به.
وإختلف المفسرون في معنى الأوابين:
فقال سعيد بن جبير: الراجعين إلى الخير، سعيد بن المسيب: الذي يذنب ثمّ يتوب ثمّ يذنب ثمّ يتوب.
مجاهد عن عبيد بن عمر: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر الله تعالى عنها.
عمرو بن دينار: هو الذي يقول: اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا.
ابن عبّاس: الراجع إلى الله فيما لحق به وينويه والأواب فعال من أوب إذا رجع.
قال عبيد بن الأبرص: وكل ذي غيبة يؤوب وغايب الموت لا يؤوب.
وقال عمرو بن شرحبيل: وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عبّاس دليله قوله و{ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10].
الوالبي: عنه المطيعين المخبتين.
قتادة: المصلين. عون العقيلي: هم الذين يصلون صلاة الضحى.
ابن المنكدر: بين المغرب والعشاء.
روى ابن إدريس عن أبيه عن سعيد بن جبير قال: الأوابين الرغابين.